سورة هود - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} بل يقولون اختلقه، {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}.
فإن قيل: قد قال في سورة يونس: {فأتوا بسورة مثله}، وقد عجزوا عنه فكيف قال: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ} فهو كرجل يقول لآخر: أعطني درهما فيعجز، فيقول: أعطني عشرة؟.
الجواب: قد قيل سورة هود نزلت أولا.
وأنكر المبرد هذا، وقال: بل نزلت سورة يونس أولا وقال: معنى قوله في سورة يونس: {فأتوا بسورة مثله}، أي: مثله في الخبر عن الغيب والأحكام والوعد والوعيد، فعجزوا فقال لهم في سورة هود: إن عجزتم عن الإتيان بسورة مثله في الأخبار والأحكام والوعد والوعيد فأتوا بعشر سور مثله من غير خبر ولا وعد ولا وعيد، وإنما هي مجرد البلاغة، {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} واستعينوا بمن استطعتم، {مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} يا أصحاب محمد. وقيل: لفظه جمع والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم وحده. {فَاعْلَمُوا} قيل: هذا خطاب مع المؤمنين. وقيل: مع المشركين، {أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} يعني: القرآن. وقيل: أنزله وفيه علمه، {وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} أي: فاعلموا أن لا إله إلا هو، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لفظه استفهام ومعناه أمر، أي: أسلموا.
قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: من كان يريد بعمله الحياة الدنيا، {وَزِينَتَهَا} نزلت في كل من عمل عملا يريد به غير الله عز وجل: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} أي: نوف لهم أجور أعمالهم في الدنيا بسعة الرزق ودفع المكاره وما أشبهها. {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} أي: في الدنيا لا ينقص حظهم.


{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} أي: في الدنيا {وَبَاطِلٌ} {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
اختلفوا في معنى هذه الآية قال مجاهد: هم أهل الرياء. وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء».
قيل: هذا في الكفار، وأما المؤمن: فيريد الدنيا والآخرة، وإرادته الآخرة غالبة فيجازَى بحسناته في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة.
وروينا عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطي بها خيرا».
قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ} بيان، {مِنْ رَبِّهِ} قيل: في الآية حذف، ومعناه: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها، أو مَنْ كان على بينة من ربه كمن هو في الضلالة والجهالة، والمراد بالذي هو على بينة من ربه: النبي صلى الله عليه وسلم.
{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} أي: يتبعه من يشهد به بصدقه. واختلفوا في هذا الشاهد فقال ابن عباس، وعلقمة، وإبراهيم، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وأكثر أهل التفسير: إنه جبريل عليه السلام.
وقال الحسن وقتادة: هو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن جريج عن مجاهد قال: هو ملك يحفظه ويسدده.
وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن ونظمه وإعجازه.
وقيل: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال علي: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه آية من القرآن، فقال له رجل: وأنت أيُّ شيء نزل فيك؟ قال: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}.
وقيل: شاهد منه هو الإنجيل.
{وَمِنْ قَبْلِهِ} أي: ومن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: من قبل نزول القرآن. {كِتَابُ مُوسَى} أي: كان كتاب موسى، {إِمَامًا وَرَحْمَة} لمن اتبعها، يعني: التوراة، وهي مصدقة للقرآن، شاهدة للنبي صلى الله عليه وسلم، {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: أراد الذين أسلموا من أهل الكتاب.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ} أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: بالقرآن، {مِنَ الأحْزَابِ} من الكفار من أهل الملل كلها، {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}.
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي، أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا محمد بن الحسين القطان، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار».
قوله تعالى: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} أي: في شك منه، {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}.


{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فزعم أن له ولدا أو شريكا، أي: لا أحد أظلم منه، {أُولَئِك} يعني: الكاذبين والمكذبين، {يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} فيسألهم عن أعمالهم.
{وَيَقُولُ الأشْهَادُ} يعني: الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم، قاله مجاهد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو قول الضحاك.
وقال قتادة: الخلائق كلهم.
وروينا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كَنَفَهُ ويسترُه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته»، وأما الكفار والمنافقون فينادي بهم على رؤوس الخلائق، {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8